قراءة فى مذكرات
توماس راسل ـ حكمدارالعاصمة
Sir Thomas Wentworth Russell
كان أحد أهم
ضباط الشرطة الإنجليز فى مصر إن لم يكن أهمهم على الإطلاق والحديث لمترجم الكتاب الأستاذ
مصطفى عبيد ، فقد كان غريباً أن تصدر مذكراته عام 1949 فى لندن تحت إسم (فى الخدمة
المصرية) ويموت هو نفسه فى إبريل 1954ولا تتم ترجمتها أبداً على الرغم مما فيها من
قصص وحكايات وتجارب وأراء لا يمكن لشرطى أو مثقف مصرى ألَّا يعرفها ، ثم تخرج
للنورعام 2019 تحت إسم حكمدار القاهرة 1902/1946 النسخة النادرة من مذكرات توماس
راسل ، ترجمة مصطفى عبيد ، الرواق للنشر والتوزيع .
قدم الرجل إلى
مصر عام 1902 وقضى فيها 44 عاماً متنقلاً بين مدينة وأخرى ومترقياً من منصب إلى
منصب أعلى حتى تولى مقعد حكمدار القاهرة
فى مارس 1918 ، يتناول الكتاب مشاهد من حياة البدو والغجروهواة الصيد وأعيان القرى
، والحديث لمترجم الكتاب الأستاذ مصطفى عبيد .
https://en.wikipedia.org/wiki/Thomas_Wentworth_Russel
يقول راسل :عندما إنتقلت إلى الدلتا فى عام 1909
قضيت كثيراً من الوقت فى فصول الشتاء فى التجول حول بحيرات المنزلة والبرلس التى
كانت تغص بالطيورالمتوحشة من كل الأنواع والفوزبصيد مدهش ، بينما منحتنى مديرية
الشرقية فرصاً رائعة لصيد الغزلان والأرانب البرية مع قبيلة الطحاوية فى صحراء
الصالحية والتل الكبير .
https://www.google.com/search?q=%D8%AA%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%B3+%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D9%84+%D8%AD%D9%83%D9%85%D8%AF%D8%A7%D8%B1+%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9+1909&oq=&aqs=chrome.0.35i39i362l8.308216j0j15&sourceid=chrome&ie=UTF-8#fpstate=ive&vld=cid:457a0755,vid:otTO7EPz9AQ,st:0
وقتها كانت حقوق المياه مصونة ويمكن لأي قبيلة أن تحصل على المياه بالإستئذان خلال مرورها بأرض قبيلة أخرى، أما الآن فإن هناك حروباً بين كثيرمن القبائل وخلافات كثيرة لهذا السبب.
لقد تعرض قانون البدو للإنهيار بسبب جمل الشيخ سليم الطويل ، ففي أبريل عام 1906 ، كان أميرويلز يزورالقاهرة ، وأقيم سباق بدوي على شرفه في نادي الجزيرة الرياضي، وطلب مني المفتش العام إرسال أفضل الخيول والجمال إلى القاهرة للمشاركة في السباق، وجمعت مئات الجمال في أبنوب واخترت من بينها أفضل ثلاثة وهي جمال تخص الشيخ سليم الطويل، عمدة عرب المطير، وأرسلتها في اليوم نفسه إلى القاهرة عبرطريق الحرامية، وهكذا فقد قطعوا ٢٣٥ ميلاً في أربعة أيام ووصلوا قبل موعد السباق بيوم، وكان الإحتفال عظيماً وجميلاً ، وانطلق السباق بمئات الجمال القادمة من مختلف الأنحاء.
وجاءني الصبي القائد
لجمل الشيخ سليم يطلب مني عصا القيادة لجلب الحظ وتحقيق النصرخلال السباق، وبالفعل
استطاع الصبي الراكب أن ينتقل بسرعة من المركز الخامس إلى الأول، وبسرعة بدأ الراكب
يرقص بالجمل أمام الأمير والباشاوات الحاضرين، في الوقت الذي تلقيت فيه نظرات عتاب
من عرب الطحاوية بالشرقية، أصدقائي القدامى الذين يمتلكون أفضل الجمال والذين
لن يتسامحوا معي أبداً لأنني جلبت لهم جملاً غيرمعروف من الجنوب لينتزع النصرمنهم.
لكن قصتي لم تخص
السباق بشكل رئيسي، إنما تخص تاريخ جمل الشيخ سليم، فبعد انتهاء السباق عاد سليم مرة
أخرى إلى محله عن طريق القطار وترك أحدرجاله يقود الجمال الثلاثة عبرالصحراء.
وخلال عبوره في
طريق الحرامية، وعند موقع قبيلة المعازة شرق المنيا، مرض جمل الشيخ سليم الفائز في
السباق، وعرضت قبيلة المعازة علاجه، فتركه لهم رجال الشيخ سليم على أن تتم إعادته بعد
شفائه.
لكن بعد مرورعدة
أيام لم تتم إعادة جمل الشيخ سليم وعرف رجاله أن قبيلة المعازة أخذته عوضاً عن جمل
قديم قالوا إنه سُرق منهم عند قبيلة المطير، وانفطر قلب الشيخ سليم من الحزن لأن جمله
كان بمثابة نورعينيه، خاصة أنه رفض بيعه للأمير كمال الدين بأي سعر، والآن بعد أن انتصرعلى
جميع جمال مصر في السباق، فإن هؤلاء ـــــ من قبيلة المعازة يختطفونه، وجاءني وحكى
لي ما حدث وقال إنه لن يبلغ النيابة لأنها لن تفعل له شيئًا.
ومرشهرأواثنان
في مفاوضات مع المعازة، وفي يوم جاءني سليم في أسيوط، وكان وجهه شاحباً، وطلب مني أن
أمارس ضغطي على مدير أسيوط حتى يترك مكانه كعمدة للمطير لمدة شهرين اثنين، ومع علمي
بأن سليم لم يمرض يوماً ما، فقد طلبت منه أن يخبرني بالحقيقة ولا يخدعني وسأساعده وأتدخل
لدى مديرالمديرية،وهكذا فقد اعترف لي بأنه ليس مريضاً ولكنه عرف أن المعازة أرسلوا
جمله إلى منطقة البحرالأحمر وأن عليه استعادته بأي شكل ممكن اعتماداً على شباب القبيلة الشجعان.
وبالفعل أخبرت المدير بأن الشيخ سليم مريض وحصل على
إجازة لمدة شهرين، وبعد مرورالشهرين رأيته أكثر نحولاً بينما كان سعيداً وسألته عما
فعل، فقال إنه اكتشف أن المعازة باعوا جمله إلى إحدى القبائل الأخرى في شبه الجزيرة
العربية ، لكنه سلب في مقابله من المعازة بضائع تخصها تساوى ۱۸ جملاً ، وعاد الرجل لعمله كعمدة
يؤدي واجباته برضا.
لقد كان الصديق العزيز الذي يمثل مزيجاً من أخلاق
العرب الحقيقيين والمخادعين في آن واحد، وكان معي في أول دورية صحراوية، وكنت أستمع
إليه ليلاً وهو يصلي ويدعو الله أن يمنحنا صيداً سهلاً، وكان يسأل الله لي أن أجد صيدًا
كبيرًا في أول رحلة معه سنة ١٩٠٦م، وشاءت ظروفي أن أكرررحلة الصيد الصحراوية سنة ۱۹۲۷م، وبالقرب من
أسيوط وجدته كما هو بصوته العميق، ولحيته البيضاء، يدعو الله متمنياً لنا صيداً سهلاً
وطيباً، ودامت صداقتنا سنوات طويلة ولم تنته إلَّا بوفاته سنة ١٩٤٤م وهو في السابعة
والثمانين من عمره.
وقبل سنوات وأنا
في الجزيرة، أخبرني خادمي أن اثنين من البدو جاءا يسألان عني ومعهما جملان، ونزلت إليهما
لأجد صبياً في العاشرة من عمره، ورجلاً مسناً ومعهما جملان جميلان، وعندما خرجت إليهما
جريا تجاهي وهما يلوحان واكتشفت أن الرجل المسن هو الصبي الصغير الذي كان يقود جمل
الشيخ سليم في سباق سنة ١٩٠٦م وأخذ مني العصا ليفوزفي السباق، وقال لي إنه عندما كبرت
سنه وشعر بقرب الوفاة، فإنه أراد أن يُعرِّف ابنه بي، وقال لي إنه جاء كالعادة على
جمله عبر الصحراء وإنه يشكر الله أن وجدني في المكان الذي يعرفه، واستضفتهما لليوم
التالي ومضينا نحو السباق وأنا على فرسي وهما يركبان الجملين، ثم أرسلتهما مع الحراسة
إلى حديقة الحيوان ليجد الصغير لديه قصص يمكن أن يحكيها لأبناء قبيلته، وأعطيت الصغير
جنيهًا وأخذه والده وقال لي: لقد ملأت عيني الآن سأموت سعيدًا لأن إبني رأك، وأعطيتهما
سرجاً للجمل ووصلتهما حتى نقطة إعادتهما مع تحياتي.
أما من شعرت بالخوف
منه فكان الغجري كما يسمونه، وهو شخصية معروفة سيئة الطباع، غيرأن زيارته النادرة
لنا كانت حادثاً سعيداً ، لقد كان من دون إخفاء دوافعه ، شخصاً فطرياً له أمل أن يرى
مرة أخرى شخصًا اعجبه أو أحبه لسنوات طويلة
سابقة، وفي عملي المزدحم بالقاهرة عاودتني ذكريات سنوات الصحراء وشعرت مرة أخرى بأخوة
أبناء الأماكن المتسعة، حيث يمكن للصداقة أن تولد .
https://arz.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%B3_%D9%88%D9%8A%D9%86%D8%AA%D9%88%D8%B1%D8%AB_%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D9%84
وقبل خمسة وعشرين
عامًا، كانت هناك في أودية الصحراء الشرقية شجرة عتيدة تسمى (الأكاكا)، ولها جذوع بسمك
قدمين، وقد استغرقت مئات السنين لتنمو في التربة الرملية لتلك الأودية الصخرية، لقد
كانت هذه المجموعة الضخمة تحمي الرجال من حرارة الطقس وتأوي جمالهم، وكانت مليئة بالكنوزالقبائلية،
ومع سقوط قانون القبائل واندلاع الحرب، ارتفع الطلب على الوقود، وقامت قبيلة العبابدة
والمطير بقطع الأشجار وحرقها للحصول على الفحم وبيعه، وحتى عام 1916 كانت هناك مجموعة
من تلك الأشجار في طريق قنا - القصير، وكانت تمثل مظلة للمسافرون عبر الصحاري.
وفي يوم ما قطع أحد البدو من العبابدة إحدى الأشجار،
فقام علي مصطفى عمدة أشهباد، أحد أقسام العبابدة، بإدانته ومعاقبته بتغريمه
ثلاثين جملاً طبقاً لقانون البدو، لقد اختفت الحياة القديمة للأماكن الهادئة سريعاً،
وانتهت كثير من مظاهر الصحراء، والآن وطئت السيارات سطح الصحاري وتركت آثارها هناك،
ولم يجد أي من الناس وقتًا للحديث مع العرب من سكان الصحراء، ولحسن حظ الحيوانات البرية،
فإنه ما زالت هناك مساحات كبيرة في الصحراء الشرقية لا يمكن للسيارات أن تمر فيها حيث
لم تتلوث الأرض بالزيت الآسن والبترول، وحيث من يجوب فيها يجب أن يكون لديه فسحة من
الوقت معتمداً على جمل قوي ومرشد موثوق ، وربما تحتفظ تلك الأرض بسماتها وحيواناتها
بعيدًا عن الإنسان العصري المتعجل من أجل بهجة الذين يحبون صمت هذه الأودية التي ترجع
إلى ما قبل التاريخ.
https://www.facebook.com/watch/?v=210550084335171
قبائل الغرب
تقضى فى شأن قبائل الجنوب
وعندما كنت مفتشاً
في قنا سنة 1908م، وقع عداء شديد بين قبيلتي المعازة والعبابدة، ولم يهتم أحد في الحكومة
بشأن ذلك، غيرأن الصناعات التعدينية كانت قد بدأت في منطقة البحر الأحمر بالقرب من
القصير وشكت الشركات العاملة هناك تعرضها للإعاقة بسبب عدم وصول العمال القادمين من العبابدة
من قنا ، إذ يتعرضون لإطلاق النارمن قبل المعازة في طريقهم من الوادي إلى البحرالأحمر.
وفي التحقيق، توصلت إلى أن هناك ثأراً بين القبيلتين على مدى عدة سنوات، وبدأ الأمر
بقيام أحد المرشدين والقصاصين من العبابدة بمساعدة حرس الحدود في القبض على عدد من
المعازة المتورطين في سرقة الملح، وترقَّبت المعازة الفرصة حتى تمكنوا من إطلاق النارعلى
المرشد المنتمي إلى العبابدة، وقرر ابن الضحية الانتقام وقام بقتل اثنين من
المعازة، وردَّت المعازة بتفعيل قانون الصحراء بإستهداف أي شخص من العبابدة يمرأمامهم
واستلاب جمله كجائزة، وكان علي أن أبحث عن مخرج للمشكلة، ولما كان العرب لا يقبلون
أبداً بقوانين الوادي، فقد أرسلت إلى زعيمي القبيلتين أطلب تحكيم العادات البدوية لإنهاء
العداء تماماً من خلال مجلس عرفي يتم عقده في محافظة قنا بعد ستة شهور، وأخبرت كل طرف
بأن عليهم الإستعداد لذلك واختيارالممثلين لهما.
وبالفعل في الـ
٢٣ من يناير عام ۱۹۰۹م، تقابل العدوان في قنا في مكان محايد وهم يحملون
أسلحتهم، ولقد أبهرتني أفكار ومحادثات رجال الصحراء الحاملين لمئات السنين من تاريخ
الصحراء في أذهانهم، وهم يحاولون التفاهم طبقاً للدعوة الحكومية، بهدف صيانة دماء الأجيال
الشابة في كلتا القبيلتين.
وهكذا فإننا لم نشهد على مدى سنوات طويلة أي قبيلة تحاول العبور إلى القبيلة الأخرى،الغريب أن كلا الطرفين احترم كلمة الصحراء، وبخلاف المحاكم التقليدية فإن هناك عشرات الرجال يتحدثون بلغة يعرفونها ويفهمونها جيداً وبقانون يحترمونه في حضور ممثلين من جميع القبائل في الصحراء الشرقية من القاهرة وحتى مدينة سواكن، وحتى بعض قبائل الصحراء الغربية، مثل: الجوازي وأولاد علي، لقد تركتهم يختارون موقع المحكمة، وبطبيعة الحال فقد اختاروا صحراء الحافة الشرقية للمدينة بجوارالجبانة، حيث يوجد مقام الشيخ سيد عبد الرحيم، الولي المحلي المحدد بقارب قديم معلَّق فوق بعض الأشجار ولا يتم إنزاله إلَّا مرة كل سنة خلال مولد الولي، حيث يقومون بالطواف به في أنحاء البلاد، وربما يعود هذا القارب المقدس إلى زمن الفراعنة، وحتى نتمكن من إيواء مجموعات المحاكمة فقد اضطررنا لضرب خيام كبيرة ، ومنذ صباح المداولات كان هناك نحو مائتي عربي ينتظرون وكان بعضهم يحملون صقوراً، بينما كان هناك آخرون يجرَّون كلاباً، وشارك البشارية في الجلسات بشعورهم الطويلة المجعدة ورماحهم ذات الرؤوس المخفية وثبتت الأسلحة على حوامل خارج المحكمة وأخذ المراقبون أماكنهم، وحصلنا أنا ومدير المديرية ورئيس المحاكم الوطنية على مقاعد خاصة باعتبارنا ضيوفاً، وغير ذلك لم تكن لنا أي أهمية، واستمرت جلسات المحكمة طول اليوم، وذكرت حكايات الدم والمال والممتلكات بالتفصيل، لكن بحلول المساء لم يتم التوصل لقرار، وخلال المساء وفي داخل خيامهم عُقدت لجان أخرى تضم عشرة رجال من كل طرف، وعندما استيقظنا في الصباح أعلن علي مصطفى عمدة العبابدة، تنازله عن قتل المرشد، ووعد مرعي حسب الله عمدة المعازة، بإجابة أي طلبات أخرى للعبابدة، وكان ما تم إحصاؤه وقتها حادثي قتل وعددا كبيراً من الجمال المسروقة، وتم دفع الديات اللازمة وتم تخفيض المطلوب، وكتبت وثيقة بذلك بعد تلاوة عدد من آيات القرآن، وتعانق عمدتا القبيلتين في منتصف المجلس، واستجمعت شجاعتي لألقي كلمة بالعربية غيرسليمة دعوت في جوانبها إلى احترام قانون الصحراء، وبعد احتفاءات واحتفالات عاد كلً إلى مكانه وانطلق البشارية بكلابهم ليعودوا من حيث جاؤوا.
وهذا الصلح الذي
أنجز سنة 1909م ظل من دون انكسار حتى سنة 1914م عندما تم إنشاء إدارة الحدود لتعني
بكل ما يخص الصحراء، وكان أول ما فعلوه هو إنشاء محاكم رسمية للبدو، أقرالقضاء القبائلي ولم
يسمح بإثارة عداءات الثأر مرة أخرى وكان البدو يشكلون أقلية صغيرة من سكان مصر،
وصارالأثرياء منهم والذين يمتلكون أراضي واسعة مثل (الملوم) و(المصري) في المنيا، ذووا
تأثير كبير وأهمية سياسية قوية، غيرأن رجل الصحراء لم يكسب شيئًا، ولم يرحب بأي مشاكل
إضافية تخص البدو، وبعيدًا عن وصمي (مريض التعرُّب)، وهو مرض يصيب كثيرًا من الإنجليز
في الشرق، فإنني انجذبت بقوة لحياة ومشكلات هؤلاء الناس المستقلين وأصحاب النخوة والأقوياء
الذين اختلفوا كثيرًا عن فقراء الفلاحين في القرى .
ــــــــــــــــــــــــــــ
https://archive.org/details/20210322_20210322_0232
https://en.wikipedia.org/wiki/Thomas_Wentworth_Russell