الهواية بين الأمس واليوم
من قنصة لحضرة صاحب العزّة/ محمد بك سعود الطحاوى ، حضرها الصغار والكباروالشيخ رزق بخيت فرج ، وكان فيها البغال والحمير والخيول والجمال وحرس الحدود واجانب ، كل ذلك من رحلات وضيافات خلف كثير من الوثاءق التى تؤكد تاريخ الهواية وكثير من التواترات جمعناها وأطّرناها ونتيحها الآن وبثوبها الجديد ، الصورة من عشرينات القرن الماضى
ـ الحديث عن القنص حديث ذو شجون ، ويزيد من هذه الشجون أن حديثنا عن ماضى مجيد يجيئ فى ظل حاضرقبيح ، إنتقلنا فيه من مكان ( الفاعل ) إلى مكان ( المفعول به ) فى جملة ما سيكتب عن الحاضر . ولذا سارعت بكشف المطمورمن تاريخنا فى هذه الهواية ليكون له نصيب عند الكتابة عن الحاضر !
إدامي ، الحُر، الريل الغِفر، النَداوي ، أبو سيرين ، الكوهية السقاوة ، السلــقان ، الحصان الجمل ، الهدَدَ ، المَدعا ، الخارم - الجا فـل ، الكمة ، الكارة ، يرومج ، الطوالة الـبذار ، الحنة ، المنصار ، السباقات ، الكندرة ، الحبارة ، الفـريسة ، جناحات ، كل هذة المسميات للقنص و للصقر والذى يــُعد أهم أركان منظومة الهدَد والقنص عند الطحاوية ، يلية الحصان والسلوقـى والجمل ، وعلى رأسـهم القناص الماهـر ، الحصان مُدرب مُطوع مُطبع وكذلك الجمل الكل يفهم دورة جيداً .
* يقول الشاعـر( المجراد ) فى المجاريد : عينك عين فريد أريل غِـفر ( الغـزال ) غريب ومسكنه الاوعار ، اللي راع ( شاف ) القناص جفل وروح مـرعـوب ومحتار ، وخايف من الحُرالقاتل نداوي مـتكوبي بحَمار( النداوي الطير الطيب وما خالط لونه حَمار ) ، نداوى مـاهو شـئ ساهل صعيب وقـوعه عـالبذار ( المدرب - القناص ) علـى المَدعا جا مستعــجل ( المدعا عندما ينادية مدربه للعودة إلى يده بعد أن أنهى مهمته من صيد وتدريب ) يشـابه سكين الجـزار - لسرعته وحسن تدريبه ، يجيب الخـارم والجـافـل ( القادم - الغادى ) يحني كــفه والمـنصار ( كف الطيـر ومخالبه - المنقار ) مـن الصـيد يحني منصاره من دم الفـريسة قـــبل الطارد ( الحصان - الجمل ) والسلقـان ، عـيون اللي فيه سباقات ( وهى مربط الطير وهى من خــيوط الحرير والجلد الراقى ) ، والـكندرة هى وكر الطير أثناء راحته ، والكفة هى غـطاء يد المدرب ليقيه من مخالب الطيرعندما يرتكزعلى يده أثناء التدريب أو الصيد ، والكمة غطاء من الجـلد الناعم الراقى مُحلى بالذهب والخرز يغطى به رأس الطير لتهدئته وعند راحتـه ، أبو سيرين والكوهــية والسقاوة من الأنواع الممتازة والنادرة ، سقاوة ريشتها تصَفـر اللـي مالقيت بذارين ، تماماً مثل الفـرس التى لم تجد خيَالها فتكبروالسقاوة تغُير لون ريشها كناية عن كــبرها وطول إنتظارها لمـن يقدَرها ، ياتوصـيف جميل الكارة ( معدة الطير ) ، والحبارة أحــد الطيور المستهدفة أثناء رحلة القــنص ، الطوالة خيط متين نحومائة متر وأكثر يستخــدم فــى تـدريب الصـقر ومـعة اللفافة ( الشَرك ) ، الهَدَد وهو بدء عملية القنص ، إطلاق الصقرعلـى الفريسة غــزال كان أو حبارة ، والصقـر يفهم دوره تماماً ينقض على الغـزال ويعطله حتى يصل السلوقى وبـعـدها يصل الطراد من خيل وجمال ، وعندما يصل السلوقى إلى الغـزال ، يرتفع الصقر لأعلى ليمكنه من الإمساك بـه ، ثم يأتى دور القناص يُخلص الغـزال مـن السلـوقـى وعلى الفور يكـافىء الصقر والغـزال ، ويحللون الغـزال بذبحه وتنتهى هذه الملحمة الممتعة والشيقة بكثيـر من المواقف الطريفة والنبيلة
* هناك أيضاً حميمية بين الطير وصاحبه تتولد من طول المعاشرة ، فهو يصابحه ويمُسيه ودائماً تحت عينيه ويطعمه بيدة ويسميه إسماً من عنده ، وإذا فارق أحدهما الآخرحزن عليه ، ونذكر أن أحد المشايخ فى إحدى القنصات وبعدما هـَد الطيرعلى الغـزال لم يعد الطير إلى وكره ، فحزن علية حزناً شديداً وفقد الأمل فى عودته وقال وكأنه يرثي أخاً لة : اللقا يوم اللقا يا أحمر ، ويبدو أن الطير كان من ( نداوي متكوبي بحما ر ) وغادر الشيخ المكان من وجهته دون أن يحمل معة شيئاً ، ثم أتى المعاونون للملمة عدة القنص وأدواته وإنهاء الرحلة ، ففوجأوا بعودة الطير إلى الوكر ، فأبلغوا الشيخ ففرح فرحاً عظيماً . فهذه إحدى صور الوفاء الناتج عن الألفة وحسُن المعاشرة وطولها ، والتى قد لا تتوفر فى البعض من بني البشر .
الصور الثلاث من عدد مجلة الإثنين ، وهى لحضرة محمد بك سعود ، وفى الصورة على الهجين نجله الشيخ حمد والحاج الشوادفى محمود رزق بخيت فرج عام 1949م
مجلة الإثنين كتبت هذا التقرير ننقله بالحرف الواحد : ورد بريد الإثنين خطاب من القارئ م . ل - بالخرطوم ، يتسائل فيه : هل صحيح ما يقال عن إستخدام الصقرفى صيد الغزال ؟ وما طريقة ذلك ؟ . وسألنا فى ذلك أهل الذكر ، فأجابوا : بأن فى جزيرة سعود التابعة لمديرية الشرقية الخبراليقين ، ومن ثم ، أرسلت الإثنين مندوبها ومصورها فى إثرالصقورالتى تصيد الغزلان .
* على بعد مائتي كيلو متر من دارالهلال تقع جزيرة سعود فى أقصى مديرية الشرقية ، المائة والثمانون كيلو مترالأولى قد قطعتها السيارة فى ثلاث ساعات ، وأما العشرون كيلومتر الباقية ، فقد أستغرقت وحدها ثلاث ساعات أخرى ! فإن عجلات سيارتنا المرفهة لم يكن سبق لها التبختر على رمال الصحراء ! وما إن وطأت أقدامنا أرض الجزيرة حتى أحاطت بالسيارة كوكبة من الفرسان ، فقد خرجت شبيبة الطحاوية لترحب بمقدم ( الإثنين ) . وإستقبلنا ( محمد بك سعود الطحاوى ) ، وقبل أن نبدأه بالسؤال عن قصة الصقور والغزلان نظرنا فإذا صقر كبير قد حط على ذراعه فى إمتثال . ومن ثم بدأ هو الحديث فقال : إنها هواية تكلفنى الكثيرولكننى أفضَلها على غيرها وإن كنت أخسر فى سبيلها المال فإنى أكسب صحتى ، وعندما أمرض لا أذهب إلى الطبيب بل أحمل الصقر وأمتطى الجواد وأصطحب الكلب ثم أنطلق للصيد فأنسى المرض وأعود موفور الصحة والعافية ، وروى لنا طريقة تدريب الصقورعلى صيد الغزلان فقال : عندما يقع الصقرفى أيدينا نعصب عينيه لمدة شهر حتى يفقد وحشيته وتخف حدة جرأته ، ثم نرفع العصابة عن عينيه تدريجياً بمقدار ملليمتر واحد كل يوم ، وفى هذه الأثناء نستحضرغزالاً محنطاً ونضع على رقبته قطعة من اللحم ، فيسرع إليها الصقرالجائع ويأخذ فى نهشها ، ونوالى هذا التدريب لمدة أسبوعبن ، بعد ذلك نخفى اللحم الموضوع على رقبة الغزال بالريش فيأخذ الصقر ينبش عن اللحم بمخالبه حتى يكشف عنه ، وبهذا يكون الصقر قد نال قسطه من التدريب ، ويتم تدريب فرقة الصيد كلها فى وقت واحد ( الفرقة ) تتألف من ثلاثة صقور، لابد من تحقيق الإنسجام بينهما ويضطلع أحدها بالرئاسة ويطيعه الصقران الآخران ، وقلنا لمحدثنا نريد أن نخرج معك لصيد الغزال ، فضحك الرجل ثم قال : إنكم لا تقوون على متاعب الصيد ، وكان يجب أن نضحك بدورنا فإن الرجل الذى يشفق علينا من التعب فى الثمانين من عمره . فى حين أن أكبرنا لا يتجاوز الثلاثين . وفى فجراليوم التالى خرجنا الشيخ وصقوره ، وهناك إنقلب الوضع فأصبح الشيخ شاباً فى الثلاثين ، وأصبحت أنا وزميلى شيخين فى الثمانين ، كان صوته الجهورى يتجاوب جوانب الصحراء ، وكان يلقى تعليماته بشدة وحزم ، فهو يعلم أن أقل خطأ كفيل بأن يضّيع مجهود ساعات طويلة ، وكانت الخيل تجرى بنا أنا وزميلى فى إتجاهات لا نتوقعها ، فهى تتابع فريق الصيد وفق نظام خاص إعتادته ، وأجهدنا الركوب وأنهكتنا الرحلة وكان محمد بك يتطلع إلينا بين حين والآخر ويسأل : هل تعبتم ؟ فنقول فى أنفاس لاهثة .. أبداً من إيه ؟ وأخيراً وبعد ساعات ظهرت الغزال ، وإنطلقت الصقورالجائعة بعد أن رفعت الغمامات عن أعينها ، وإنطلق الكلب طائرًا على الأرض فى إثر الصقور ولكن الغـزال إستطاع أن يهرب وعادت الصقور إلى قواعدها ، ومرة أخرى لاح غـزال فى الأفق وإنطلقت الصقور وأردنا أن نكون على مقربة لنصور الهجوم ، ولكن إقترابنا بالخيل كان سبباً فى فشل الصقورفى مهمتها ، وفى المرة الثالثة نجحت الصقور فقد هجم الصقرالرئيس على الغـزال وحط على رقبته فإضطرب ، هنالك ساهم الصقران الآخران مع رئيسهما فى محاصرة الغـزال وأمسك الكلب بساقه الرفيعة ، لقد نجح الصقر لكن المصورلم ينجح فى تصويرهذا المشهد الفريد ، فقد جمح به الجواد وكاد أن يقصف رقبته ، ووصل محمد بك إلى الغـزال وأمسك بالصقرالرئيس يقبله ، لقد شعت عينا الرجل وأبرقتا وومض فيهما شئ عجيب فى تلك اللحظة ، إنه يدفع مائتي جنية سنوياً ثمن مثل هذه اللحظة ، اللحظة التى يحصل فيها على غـزال لا يستحق الذكر . وقلت له : هيا إلى غزال آخر . قال : إنني أصيد فى العام غزالين فقط بأمرجلالة الملك ولقد حضرتم فى هذه الساعات نصف موسم الصيد ، فلنؤجل النصف الآخر بضعة أسابيع . ونعود مع الرجل الكهل إبن الثمانين ، أقـرب إلى الموتى منا إلى الأحياء ، أما هو فيعود موفور الصحة والعافية . إنتهى حديث المحرر عند هذا ، وكتب إسمة ( الحبروك ) . التقريركان به ثلاث صور عرضناها ونبحث فى أرشيف المجلة عن باقى الصور لعلنا نحصل عليها .