بيوت العز
إن تراث ومجد كل قبيلة عربية هو فى الحقيقة جزء من كل تراث ومجد الأمة العربيه وهذا التراث يسطع بنوره فى كوكب الأرض ويجعلنا نحن العرب من بدو وحضر نرفع هاماتنا بين سائرالأمم ولتبقى بحول الله عروبيتنا شامخة دائماً وأبداً لينطبق عليها قول الحق : " كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ " صدق الله العظيم ، ونحن فى هذا الصدد نعمل على لملمة تراث أسرة الطحاويه المبعثر فى جنبات الأدراج وعلى ألسنة الشيوخ وفى سائر المضايف وعلى جدرانها ونقلنا ودوّنا بقدر ما إستطعنا من الأهازيج ولم نجد شىء مكتوباً عن الادب الشعبى سوى ما أستخلصناه من العادات والتقاليد وما شاهدناه بآذاننا ورأيناه بعيوننا وإقتنعت به عقولنا ومن هذه الدُرر بيت الشعر .
حضرة صاحب العزة / السعدي بك بشارة الطحاوي في رحلة قنص في رحلة قنص في شبه جزيرة سيناء في عشرينات القرن الماضي
الصورة من مجموعة كارل رسوان لقبائل رولا
كما يقول الأمير عبد القادر الجزائرى فى قصيدة البدو :
الحُسن يظهر فى بيتين رونقه * فى بيتِ من الشعرِ أو بيت من الشَعر
صورة للشيخ بطين بن ثلاب بن مرشد ، ثاني رجل من اليسار ، أحد شيوخ عشيرة ( السبعة ) من قبيلة عنزة في القرن التاسع عشر ، يعود تاريخ هذه الصورة إلي عام 1899م .
هو السكن للبدوى عبر العصور ، سمي بالشعر ، لشعر الماعز ، والصوف للضأن والوبر للجمال ، وأصعبهم فى غزله وتحويله لخيوط ، وهذه مهمة المرأة فعليها أن تغزل الشعر والصوف كلً على حدة وتنسج منه ( شُقة ) عرضها زراع والطول حسب الطلب ، فتقوم بنسج عدد من الشقق من الشعر وتقوم بتجميعها على طولها حسب الطلب ليكون سقف البيت ، وتنسج من الصوف حسب الطلب والمقاس وتجمعهم كذلك وهذه لحوائط بيت الشعر (الرواق ) ويكبر البيت ويصغر حسب حجم صاحبه ، فالشيوخ لابد أن يكون بيتهم كبيراً جداً يسع عدداً كبيراً من الضيوف ويكون من الإرتفاع ما يجعل خيال بفرسه يدخله ، ويقسم البيت إلى غُرف بقِطع أيضاً تسمى ( المعند ) وذلك للحريم ، ويرفع أمام البيت رايات عليها وسم القبيلة ، فالشعر أقواهم ومنه كانت تصنع سيور القوى المتحركة ، ويفرش البيت بسجاجيد تقوم المرأة أيضاُ بنسجها بنفس طريقة بيت الشعر وتجميعها وتلوينها بألوان زاهية ونقشات تراثية متوارثة تسمى ( المرقومة ) ، وكذلك كثير من الغطاء ويشونون فى جانب بيت الشعر ويسمى الحمل والدفية .
يتغير المجتمع العربى فى الكثير من أجزائة وينتقل من البداوة والترحال إلى الحداثة والإستقرار ويصاحب هذه الحركة جهد فى إتجاة مضاد يتمثل فى الحفاظ على ما ينتجه البدو من فن أصيل يعكس حياة الصحراء وما تحمله من تراث عربى يتضمن محتويات بيت الشعر والخرج والبسط والسفايف وما نحتاجه من أدوات الخيل من غزول .
أحد معالم الحياة العربية وهو حياة البدو فى الصحراء مهدد بالزوال أمام زحف الحياة الحديثة وتختفى تلك الصورة التى كانت تميز الحياة فى الصحراء البدو الذين يتنقلون متحررين من الهموم خلف الماء والكلأ ينصبون بيوت الشعر حول الآبار ويقيمون حياة بسيطة وشاعرية ولكنها خشنة قاسية تقوم هذه الحياة على ( الإكتفاء الذاتى ) تفى القطعان بكافة إحتياجات القبيلة التى تعيش على لبنها ولحمها ويعتبر الجمل مصدراً من مصادر الغذاء البدوى ووسيلة لإنتقاله ووبر الجمل من أغلى وأجود الأصواف تحيكة النساء البدويات مع صوف الماشية ليشبع كافة إحتياجاتها ومنقولات البدوى تقتصر على ما هو ضرورى رحاه ورقيق لتحميص حبوب القمح أو لإنضاج الخبز إناء لصنع القهوة دلو من الجلد لصب المياه بعض القرب وقصعات وفناجين صغيرة لشرب القهوة قدر وبساط وفراش فى نفس الوقت تحيكها البدوية وفى بعض الأحيان نول لنسج الصوف كل ذلك فى بيت الشعر وهم قوم بالغوا القناعة إذ تكفيهم بضع حبات من التمر وحفنة من الثريد والقناعة والإكتفاء الذاتى هم سر قوتهم ومصدر شجاعتهم .
والبداوة تضرب بجزورها فى أرجاء العالم العربى وشبه الجزيرة العربية منذ القدم ولهم نظامهم الحضارى المتكامل يعيشون فى أعماق الصحراء وحول المياه وتحت زرقة السماء ومع النجوم فى الليالى الحالكة ، للقبيلة نظامهم الإجتماعى ويعيشون مع الظروف الطبيعية القاسية والموارد الإقتصادية المحدودة فيزدرى البدوى الزراعة والصناعة والحرف المختلفة باعتبارها تحط من مكانته وإحتقار السلطة ، فى البادية ثالوث أطرافة البدوى والجمل والنخلة وإستمرت البادية الحارس على التقاليد والشعائرالعربية وهذه هى مكونات البيئة الفطرية لحياة البدو يستلهمون البيئة فى فنهم وينتجون القصص الشعبى أو الشعر البدوى والحكايات والنوادر والأزجال أو فنهم التشكيلى الذى يتمثل فى ( السدو) فن حياكة الصوف فى البادية وجذبت حياة البدو إهتمام العديد من الرحالة والكتاب الأجانب الذين تناولوا معالم الحياة العربية ورأوا فيها الشخصية النفاذة المميزة وقد كتب الكاتب الأوروبى نيبور يقول : ( البدو الذين يعيشون تحت الخيام كقبائل مستقلة بذاتها ما زالوا يحتفظون بتقاليد أسلافهم وأخلاقهم ومثل هؤلاء يصح القول بأنهم عرب أقحاح يتمتعون بجميع تلك المزايا المتأصلة فى جميع أفراد قبائلهم ) .
تمد البدوية خيوط الصوف حول قطعة خشبية تسند بحجرين مراعية طول القطعة التى يتوجب عليها تبديلها من بيت الشعر ثم تأخذ فى رفع خيوط الصوف بالتناوب على بعد متر من الطرف القريب منها وذلك على قطعة من الخشب فوق الحجر تكون أعلى من مستوى الأحجار السابقة وبعدها نأخذ فى تمرير الصوف المغزول من الجهة اليمنى إلى اليسرى فوق وتحت هذه الخيوط ثم رجوعها إلى الجهة اليمنى مع شد الخيوط بقطعة مسطحه من الخشب أو بقرن غزال وهذه العملية تؤدى إلى إنتاج نسيج محكم وتجدد البدوية قطعة واحدة من وسط الخيمة فى كل عام وتستخدم القطعة المستبدلة لظهر الخيمة أو الرواق .
إن هذه الصور الجميلة لحياة البدو وصناعة السدو التى إستعرضناها تختلف كثيراً عن عالمنا المتطور هذا الذى أصبح يعنى بتوطين البدو وإختفى الجمل لتحل محلة السيارة وإختفى بيت الشعر الذى كانت تنسجة البدوية وتضفى عليه لمسات من البيئة ويقام بدلاً منه البيوت الحديثة وجذبت المراكز الحضارية البدو تخلصاً من حياة البداوة القاسية وإندفعت تيارات الهجرة لتضم أكفأ عناصر القبيلة من شبابها وإتجهت نحو مجالات العمل الجديدة وبقى السؤال الصعب ( كيف يتم التغيير نحو الحداثة وفى ذات الوقت يحافظ على الروح العربية من الإغتراب ؟ ) وكيف يقع التغيير ولا ينفصل المواطن عن تراثة التقليدى ولا يتحطم خير ما فى أسلوب حياته التقليدية وبالتالى يتجنب أن يقع أسيراً لأسلوب حياة ( هجين ) ؟ وبمعنى أخر كيف تتحقق المعادلة بين القديم والجديد بين الأصالة والمعاصرة وللحديث بقية.. .