صقور تصيد الغزلان
محمد بك سعود والنقراشى باشا
مجلة الإثنين تحكى قصة زيارتها للطحاوية فى جزيرة سعود عام 1949
* مجلة
الإثنين كتبت هذا التقرير ننقله بالحرف الواحد : ورد بريد الإثنين خطاب من القارئ
م . ل - بالخرطوم ، يتسائل فيه : هل صحيح ما يقال عن إستخدام الصقرفى صيد الغزال ؟
وما طريقة ذلك ؟ . وسألنا فى ذلك أهل الذكر ، فأجابوا : بأن فى جزيرة سعود التابعة
لمديرية الشرقية الخبراليقين ، ومن ثم ، أرسلت الإثنين مندوبها ومصورها فى
إثرالصقورالتى تصيد الغزلان .
* على بعد مائتي كيلو متر من دارالهلال تقع جزيرة سعود فى أقصى
مديرية الشرقية ، المائة والثمانون كيلو متراً الأولى قد قطعتها السيارة فى ثلاث
ساعات ، وأما العشرون كيلومتر الباقية ، فقد إستغرقت وحدها ثلاث ساعات أخرى ! فإن
عجلات سيارتنا المرفهة لم يكن سبق لها التبختر على رمال الصحراء ! وما إن وطأت
أقدامنا أرض الجزيرة حتى أحاطت بالسيارة كوكبة من الفرسان ، فقد خرجت شبيبة
الطحاوية لترحب بمقدم (الإثنين) . وإستقبلنا ( محمد بك سعود الطحاوى ) ، وقبل أن
نبدأه بالسؤال عن قصة الصقور والغزلان نظرنا فإذا صقر كبير قد حط على ذراعه فى
إمتثال . ومن ثم بدأ هو الحديث فقال : إنها هواية تكلفنى الكثيرولكننى أفضَلها على
غيرها وإن كنت أخسر فى سبيلها المال فإنى أكسب صحتى ، وعندما أمرض لا أذهب إلى
الطبيب بل أحمل الصقر وأمتطى الجواد وأصطحب الكلب ثم أنطلق للصيد فأنسى المرض
وأعود موفور الصحة والعافية ، وروى لنا طريقة تدريب الصقورعلى صيد الغزلان
فقال :
عندما يقع الصقرفى أيدينا نعصب عينيه لمدة شهر حتى يفقد وحشيته وتخف حدة جرأته ،
ثم نرفع العصابة عن عينيه تدريجياً بمقدار ملليمتر واحد كل يوم ، وفى هذه الأثناء
نستحضرغزالاً محنطاً ونضع على رقبته قطعة من اللحم ، فيسرع إليها الصقرالجائع
ويأخذ فى نهشها ، ونوالى هذا التدريب لمدة أسبوعبن ، بعد ذلك نخفى اللحم الموضوع
على رقبة الغزال بالريش فيأخذ الصقر ينبش عن اللحم بمخالبه حتى يكشف عنه ، وبهذا
يكون الصقر قد نال قسطه من التدريب ، ويتم تدريب فرقة الصيد كلها فى وقت واحد (
الفرقة ) تتألف من ثلاثة صقور، لابد من تحقيق الإنسجام بينهما ويضطلع أحدها
بالرئاسة ويطيعه الصقران الآخران ، وقلنا لمحدثنا نريد أن نخرج معك لصيد الغزال ،
فضحك الرجل ثم قال : إنكم لا تقوون على متاعب الصيد ، وكان يجب أن نضحك بدورنا فإن
الرجل الذى يشفق علينا من التعب فى الثمانين من عمره . فى حين أن أكبرنا لا يتجاوز
الثلاثين . وفى فجراليوم التالى خرجنا الشيخ وصقوره ، وهناك إنقلب الوضع فأصبح
الشيخ شاباً فى الثلاثين ، وأصبحت أنا وزميلى شيخين فى الثمانين ، كان صوته
الجهورى يتجاوب جوانب الصحراء ، وكان يلقى تعليماته بشدة وحزم ، فهو يعلم أن أقل
خطأ كفيل بأن يضّيع مجهود ساعات طويلة ، وكانت الخيل تجرى بنا أنا وزميلى فى
إتجاهات لا نتوقعها ، فهى تتابع فريق الصيد وفق نظام خاص إعتادته ، وأجهدنا الركوب
وأنهكتنا الرحلة وكان محمد بك يتطلع إلينا بين حين والآخر ويسأل : هل تعبتم ؟
فنقول فى أنفاس لاهثة .. أبداً من إيه ؟ وأخيراً وبعد ساعات ظهرت الغزال ،
وإنطلقت الصقورالجائعة بعد أن رفعت الغمامات عن أعينها ، وإنطلق الكلب
طائرًا على الأرض فى إثر الصقور ولكن الغـزال إستطاع أن يهرب وعادت الصقور إلى
قواعدها ، ومرة أخرى لاح غـزال فى الأفق وإنطلقت الصقور وأردنا أن نكون على مقربة
لنصور الهجوم ،
ولكن إقترابنا بالخيل كان سبباً فى فشل الصقورفى
مهمتها ، وفى المرة الثالثة نجحت الصقور فقد هجم الصقرالرئيس على
الغـزال وحط على رقبته فإضطرب ، هنالك ساهم الصقران الآخران مع رئيسهما فى محاصرة
الغـزال وأمسك الكلب بساقه الرفيعة ، لقد نجح الصقر لكن المصورلم ينجح فى تصويرهذا
المشهد الفريد ، فقد جمح به الجواد وكاد أن يقصف رقبته ، ووصل محمد بك إلى الغـزال
وأمسك بالصقرالرئيس يقبله ، لقد شعت عينا الرجل وأبرقتا وومض فيهما شئ
عجيب فى تلك اللحظة ، إنه يدفع مائتي جنية سنوياً ثمن مثل هذه اللحظة
، اللحظة التى يحصل فيها على غـزال لا يستحق الذكر . وقلت له : هيا
إلى غزال آخر . قال : إنني أصيد فى العام غزالين فقط بأمرجلالة الملك ولقد
حضرتم فى هذه الساعات نصف موسم الصيد ، فلنؤجل النصف الآخر بضعة
أسابيع . ونعود مع الرجل الكهل إبن الثمانين ، أقـرب إلى
الموتى منا إلى الأحياء ، أما هو فيعود موفور الصحة والعافية .
إنتهى حديث المحرر عند هذا ، وكتب إسمه ( الحبروك) .
التقريركان به ثلاث صور عرضناها ونبحث فى أرشيف المجلة عن باقى الصور لعلنا نحصل
عليها .
- مجلة الإثنين ، مجلة أسبوعية
تصدر عن دار الهلال ، العدد (808) القاهرة فى ( 5 ديسمبر 1949م ، 15صفر 1369هـ ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ