حميمية ورحمة
الشيخ عبدالدايم راجح الطحاوى 1945
ـ تبادل إحساس ، تحدثنا
سابقاً وفى موضوع الطحاوية والخيل أن الخيل تـَطرَب وهذا صحيح ، والذى
نحن بصدده الآن ربما كان جديداً على قارئنا وزائر صفحتنا ، ألا وهو
العلاقة التى بين الفارس وفرسه كيف تسنى له أن يطوعها بهذا الشكل الرائع .المهارة الصغار سن شهران وحتي سن
التعليم خمسة عشر شهرا, طوال هذه المرحلة تجد المهارة في حال لهو ومداعبة مع
الكلاب والغنم والجحوش الصغيرة والصغار, وكأنهم فريق واحد مادامت صحتهم علي خير حال , و ينقلب مزاجهم تماما اذا تعرضوا إلى هذال أو
أمراض تماما كما يحدث مع بني
البشر ، يدخل المُهرفى تدريب شاق لمدة أربعـة شهور صيفية ينتقل خلالها من
مرحلة التوحش إلى مرحلة الإستئناس ، يمرخلالها بمراحل تدريب شاقة يتعرف كل منهما
على الآخر (الفارس والفرس) ويدخل بعدها الربيع التالى مع بداية شهر نوفمبر حتى شهر
مايو وهو غير مطالب بشيء ، يمر فى هذه
الشهور بكثير من العثرات المناخية (أربعينية الشتاء) والتى تكثر فيها النوات
والزعابيب وهى أشد أيام الشتاء برداً حتى يأتى شهر مارس (برمهات) فى هذا الوقت تجد
الخيل تلهوا فى مرابطها وتحاول الفكاك من مربطها وتمزق جلالها وتسمع نفراتها من
بعد وتبدأ فى طلب الماء الذى لم تطلبه من بداية الربيع ، فهو الآن فى ريعان شبابه
وكامل صحته كما هو فى ربيع العمر أيضا هو فى ربيع العام .
أعـز مكان فى الدنى سرج سابح ** وخير جليس فى الزمان كتاب
صحافة عالمية
الباحثة الهولندية ... وفي العرض صورة للباحث الفارس الطحاوي سعود
تفكيراريد ان تثبت الفرس حتى اقف عليها لأخذ صورة
نتشاور
نحاول
أخيراً إستقام الميسم
1978
* المفـاجأة الـمدهشة والتى لايفطن
لها إلا النادر من الخَيالة وإذا كان ،( أدهم أحجل ثلاثة طليق الـيد
اليُمنى ) عندما نحدد جزءاً من الفرس ، نقف عند بداية الفرس من الخلف
أى عنـد ( الكفل ) ونُشير إلى الحَجل فى أيدي الفرس وفى أرجله , اليدان هما الأماميتان والأرجل هما الخلفيتان , واليد أو
الرجل الطليقة عند حديثنا عن الحجل هي الخالية من الخجل , فبالنسبة الي هذه الفرس
فهي وكما سبقنا حجلاء ثلاثة طليقة اليد اليمني وايضا دهماء اللون . ( روي ان احد
الصحابة ويسمي سليمان بن خليل ) ذهب الي رسول الله صلي عليه وسلم وقال : يا رسول
الله اني غادً فى شراء فـرس فماذا تكون ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا وجدت أدهم محَجل الثلاث مطلوق اليد الـيمين
سابل الغُـرة فذاك ، فقال يا رسول الله إن لم أجده ، فقال
: إن وجدت أشقـر محَجل الثلاث مطلوق اليد اليمين سابل الغُرة فخذه ،
فقال يارسول الله إن لم أجده ، فقال له رسول الله صلى الله علية وسلم
خـُـذ ما عداك ولا تأخذ مشكل ) .... وكان النبي يكره الشِكال فـى
الخيل ، والمقصود هنا بالشِكال أى المحَجل اليد اليمين والرجل اليسُرى والعكس ،أما
سابل الغُـّرة المذكور فى الحديث فهو البياض الموجود فى وجة الفـرس
، فمنه النجمة والصٌوانة والطويلة والمنقطعة والمبرقع ومنها ما زادت
وفاضت حتى وصلت الشفة السُفلى للحصان ( شارب اللبن ) ، الكثير والكثيرعن غُرة
الحصان ونكتفي الآن بأن غُرة الشهر إنما أُخذت من غُـرة الحصان .
وما الخيل إلا كالصديق
قليله *** وإن كثرت فى عين من لم يجرب
إذا لم تشاهد غير
حسُن شياتها *** وأعضائها فالحسُن عنـك مُغيَب
* قال مؤلف كتاب الحيوان : ( الفرس من طبعه الزَهوُ فى
المشي ويحب سائسه ويعجبه راكبه ، ولا يحب الأولاد ، وهو
غيور ، ويعـرف المصيبة ) وذكرالأصمعي ، أن رجلا معتوهاً
جاء إلى عمرو بن العلاء ، فقال : يا عمرو ،
لما سُميت الخيل خيلاً ؟ فبقي أبي عمرو وليس عنده جواب ، فقال
لا أدرى ! قال الرجل : لكني أدرى !
فقال : علمنا نعلم ! قال : لإختيالها فى
المشي ، فقال أبو عمرو لأصحابه بعد ما ولى الرجل : إكتبوا
الحكمة وإرووها عن معتوه .
ـ من كتاب الملك الرسولى على بن داود ( 706 - 764 هـ ) الأقوال الكافية والفصول الشافية فى الخيل " تحقيق يحي وهيب الجبورى ، طبعة دارالغربى الإسلامى ، بيروت ( 1987م ، ص 84 - 86 " ) وهذا الكتاب كتبه رجل متيم بالخيل حكم اليمن من سنة ( 721 - 764 هـ ) ، وفى معرض حديثه عن الآية الكريمة " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير والمقنطره من الذهب والفضه والخيل والمسومة والانعام والحرث " حيث يري انه من جمعت له هذه الاصناف الستة التي زين حبها اليه , اذا ركب الخيل ألهته عن سائر ما بقي منها ولا يجد شيئا من سائرها يلهي عن الخيل , فهي تطيب نفسه بانفاق الذهب والفضه وغيرها علي الخيل ، وربما أجهد نفسه فى الحرث وإكتساب الأنعام لأجلها . أما النساء فإنا نرى الرجل ( اللهج ) بهن المستهيم عليهن تقنعه منهن الواحدة ، فإن تيمه حبها وإشتد عشقها ، لم يطمح نظره إلى غيرها ولم يلتذ من النساء بسواها ، فإن طالت مدته معها ملها وأعرض عنها ، والخيل ما يقنع الرجل منها بالألوف ، ولا يلهو ولا يغرى عنها ، ولا يلهو بواحد دون آخر ، وكلما كثرت عنده كثرإعجابه بها ، وحرصه عليها ، ولذته من المرأه مقصورة على لذة ساعة ثم تسأم وتمل ، وزينتها أيضاً مقصورة على نظره ، ومشاهدته لا يتجاوز إلى سوها ، ولا يباهى بها غيرة ، ولا يناظر بها سواه ، بخلاف الخيل فإن اللذة بها تتفرع إلى أشياء كثيرة ، منها المفاخرة بها ، والمغالبة عليها ، وقهرالأضداد ، وإدراك الثأر ، وإرهاب العدو ، والمحاماة على النفس والنفائس ، والقوة فى الحروب وغيره ، كلذة الصيد والسباق ، ألا ترى إلى الرجل إذا سبق فرسه كيف ترى فيه الإبتهاج ، ويظهر فيه من السرورما لا يقدرعلى كتمه ، وأما البنون ، فإن الولد وإن كان ثمرة قلب أبيه ، فإنه قد يسأل منه الفرس الواحد من سائر خيل كثيرة ، فيضن به عليه ، وهو يسمح له بما سواه من نفائس الأموال بأضعاف ثمنه .
* كما قال مؤلف كتاب الحيوان أن الخيل تعرف المصيبة ، فقد مررنا بتجارب كثيرة من هذا الشأن فوجدنا الحصان الذى ينفق بعد وفاة صاحبه مباشرة ، وكنا أيضا عند وفاة أحد الشيوخ نجعل حصانه يشارك فى جنازته مسحوباً حتى أول المقابر .
* وذكر فى كتاب ( أنساب الخيل فى الجاهليه والإسلام
لإبن الكلبى ) ، أن أطلال : ( من خيل قريش ) فرس بكير بن عبد
الله بن الشداخ الليثى ، وكان وُجه مع سعد بن أبى وقاص ، وشهد
القادسية ، فيزعم - والله أعلم - أن الأعاجم لما قطعوا الحسر , الذي علي نهر القادسية , ( وقد أحجم الناس عن عبور نهرها
وخندقها ) صاح بكير بفرسه ( أطلال ) ,
وقال ،، وثبا اطلال ! ,, فإجتمعت ثم وثبت ، فإذا هى من وراء النهر فهزم الله به
المشركين يومئذ . ويقال أن عرض نهرالقادسية يومئذ أربعين ذراعاً
، فقال الأعاجم : هذا أمرمن السماء ! ( لاطاقة لكم به )
فإنهزموا . ( قال فى الأعرابى : يتحدث الناس أنه يوم المداين قال لها
: ( وثباً أطلال ) فإلتفتت إليه وقالت : ( أى وسورة البقرة ) ! وفى الغندجانى أحجم
الناس عن عبور نهرها وخندقها ( أى القادسية ) ، فصاح بها : وثباً أطلال ،
فالتفتت إليه وقالت وثباً ورب الكعبة ! . ومثل ذلك فى البلقينى وفى ( لسان العرب )
: يزعم الناس أنها تكلمت لماهـربت فارس يوم القادسية ، وذلك أن المسلمين تبعوهم فلما إنتهوا إلى
نهر قطع جسره فقال فارسها : ثبى أطلال
فقالت وثبت , وسورة البقرة .
* قصة عباس باشا والفرس ، وهذه القصة إحدى قصص العلاقة الحميمة التى بين الفارس وفرسه . فقد ذُكرفى كثير من الكتب والروايات أنه لما عمل عباس باشا على تكوين إصطبلات خاصة للخيول العربية الأصيلة . أوفد بعثة من طرفه إلى الجزيرة العربية وعلى رأسها على باشا لتجمع له عدداً من الخيول العربية الاصيلة . فكان من ضمن هذه الخيول فرس قد تم شرائها فى غياب صاحبها والذى كان فى الحج . فقد كانت هذه البعثة تدفع أثماناً مضاعفة ، فرأى أهل بيت هذا الرجل أن هذه البيعة مناسبة فباعوها لهم . وعندما عاد صاحبها من حجته وعلم بما تم , أبي وامتنع واحتفظ بالثمن المدفوع في الفرس وعقد النيه علي الذهاب الي عباس لاسترداد الفرس . وكان قد مضي نحو ستة شهور علي هذه البيعة . ولما وصل عباس باشا وطلب مقابلته ومثل أمامه , سألوه حاجته فحكي له . فقالوا له اننا اشترينا خيلا كثيرة ولم نعرف فرسك منهم , فقال ان لما تعرفني فلا حاجة لى بها ! فأمروا أن تطلق الخيل فى فناء واسع ، ودخل الرجل على الخيل يلوّح بيده ويغنى ويهنهن بأهاريج لم يتعرف عليها أحد غير فرسه ، فجأئته عدوًا من آخر الفناء تتمسح به وتتمايل عليه ، فكان لهذا المشهد شديد الأثرعلى الحضور وعلى رأسهم عباس باشا ، فأمرله بها ولم يقبل منه رد الثمن الذى كان قد دفعه فيها ، وطلب من صاحبها بنتاً من بناتها فيما بعد.
حديث الخيل معين لا بنضب ابداً .
ـ أقصد من كل هذا أن الخيل تحب المداعبة واللهو وتعـرف لحظات الجد أيضـاً ، فالذى تم بين هذا الفارس وفـرسه شئ عظيم وطويل الأمد من المعاشرة الحسنة ، حتى طلب منها أن تكون معه لحظة التنشين ، ولا أشك أن هذه الحركة أتت مصادفـًة ، كلا ولكن مـودة ورحمة ، والمُدهش فى كل هذا أن هذه الصـورة أُخذت عام ( 1945م ) أي مُصور بارع وفنان ، فارس مُتمرّس مُتفرغ يفهم الخيل وطبائعها ، ووقت جميل على كل الأصعدة ، كل هذا توفر لإخراج هذه اللقطة النادرة عطف وتناغـم ما شاء الله .
ـ أقصد من كل هذا أن الخيل تحب المداعبة واللهو وتعـرف لحظات الجد أيضـاً ، فالذى تم بين هذا الفارس وفـرسه شئ عظيم وطويل الأمد من المعاشرة الحسنة ، حتى طلب منها أن تكون معه لحظة التنشين ، ولا أشك أن هذه الحركة أتت مصادفـًة ، كلا ولكن مـودة ورحمة ، والمُدهش فى كل هذا أن هذه الصـورة أُخذت عام ( 1945م ) أي مُصور بارع وفنان ، فارس مُتمرّس مُتفرغ يفهم الخيل وطبائعها ، ووقت جميل على كل الأصعدة ، كل هذا توفر لإخراج هذه اللقطة النادرة عطف وتناغـم ما شاء الله .